لا ينفك اللبنانيون والسياسيون يطلقون على رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط صفات "الاستشراف"، ويشيدون بقدرته على التقاط إشارات التطورات الأولى للأحداث بسرعة.
وفي الحقيقة: لا يمكن للمراقب الدقيق أن ينبهر بهذا "الاستشراف" ولا بهذا "الالتقاط والتبدل" حينما يعرف أن هذه "الانقلابات والاستشرافات" -التي ينبهرون بها ويهللون لها- تكلّف لبنان واللبنانيين الكثير من الدماء والدموع والمآزق السياسية.
- بعد أسابيع قليلة من اغتيال الرئيس رفيق الحريري دعا جنبلاط لتشكيل جبهة عريضة تضم القوى الوطنية والإسلامية اللبنانية والفلسطينية وسوريا لمواجهة أي هجوم أميركي على لبنان، وبعد أن استمر لفترة طويلة يقتات من موائد المقاومة وإيران، وبعد أن ساهم حزب الله -من خلال التكليف الشرعي في الانتخابات النيابية- بإيصاله هو وكتلة كبيرة من النواب إلى البرلمان, أعاد جنبلاط تقييم خطواته، وقرر أنه يقبل بأن "يكون زبال في نيويورك على أن يكون زعيماً وطنياً في لبنان".
وكان أحد الصحفيين روى أنه التقى جنبلاط في هذه الفترة من الزمن، وفوجئ بكلامه بأن "الغرب انتصر في كل هجوم له على العرب، وسأتحالف مع الأميركي المنتصر"، معيباً على من يقف إلى جانب المهزوم.. وعدم تخليص نفسه مما أسماه "المذبحة القادمة".
وفي حديث لابن جنبلاط الشاب "تيمور" مع أحد الصحف الكندية -بتاريخ 3 كانون الأول 2007- كلام مطابق قال فيه: «قَدمت لوالدي ضمانات من الرئيس الأميركي جورج بوش, بالعمل على قلب النظام السوري بداية عام 2006، والسعوديون أعطوه ضمانات مالية وأمنية.. استعاض بها عن الدعم الإيراني".
وقبل حرب تموز 2006، شنّ جنبلاط هجوماً على سلاح المقاومة.. واعتبره "سلاح الغدر"، معتبرًا: أنه طالما هذا السلاح موجود فهو سيؤدي إلى زوال البلد، وزوال اتفاق الطائف، وزوال اتفاق الهدنة.. وقامت الحرب وكان فيها ما فيها من تصريحات جارحة ومؤذية بحق المقاومة وأهلها وشعب لبنان الصامد.. حينما اتهم جنبلاط السيد حسن نصرالله بالعمالة لإيران وسوريا، ونفى عنه جنسيته اللبنانية وانتقد "النصر الإلهي".
متناسيًا أن إيران كانت تدعمه وتمدّه بالأموال.. كما اعترف ابنه، قام جنبلاط في أيار 2008 بشنّ هجوم على حزب الله، واتهمه بالتحضير لاغتيال ما.. ضد شخصية سياسية، وبالسيطرة على أمن مطار بيروت، والحصول على سلاح إيراني مهرب عبر المطار، وطالب بطرد السفير الإيراني من لبنان، ومنع الطائرات الإيرانية من أن تحط في مطار بيروت الدولي... اتهامات مهّدت لقرارات حكومية خطيرة.. اعتبرت سابقة في تاريخ لبنان، وتهديدا خطير للمقاومة وسيدها وسلاحها.
ومباشرة بعد 7 أيار-الذي كان نتيجة أكيدة لما خطط له جنبلاط وحرّض خلاله على اتخاذ القرارين الشهيرين اللذين اتخذتهما الحكومة اللبنانية ضد شبكة اتصالات المقاومة، واعتبرتها مسًا بالسيادة اللبنانية- وما أن استشعر جنبلاط بترنح المشروع الأميركي في المنطقة.. وأدرك خلال جولته في واشنطن أن هناك تغييرًا حقيقيًا في السياسة الأميركية في المنطقة، حتى عاد جنبلاط إلى العروبة وفلسطين والمقاومة، فشدد على أن "لا تناقض بين لبنان والمقاوم، وبين السيادة والمقاومة، ولا تناقض بين الطائف والمقاومة، ولا بين الاستقلال.. ولا بين العدالة والمقاومة، أو التاريخ والمقاومة، أو بين المحكمة والمقاومة".
واليوم.. يتناسى الشعب اللبناني -أو بالأحرى يودون له أن ينسى- كل ما حصل، فيشكرون جنبلاط على ترحيبه بكلام السيد حسن نصرالله، ولكن.. أليس مفارقة غريبة أن مَن سبّب 7 أيار بتصاريحه وقراراته وتهديده -بحرق الأخضر واليابس- لم يعتذر ولم يقدم على الاعتراف بالخطأ..؟!
أليس غريبًا.. أن من هدد المعارضة بأنها "لن تأخذ الثلث المعطل إلا على جثثنا"، وطالب المقاومة بتسليم سلاحها، واعتبر أنه يستطيع أن يقضي عليها وينزع منها الصواريخ التي تهدد بها إسرائيل.. يتم التهليل له اليوم, لأنه صرّح بأن مقال "ديرشبيغل" مفبرك ويشبه "بوسطة عين الرمانة"..؟!
على ماذا يهتفون ويهللون للمواقف الجديدة..؟
وهل من يدرك متى تنتهي مدة صلاحيتها..؟
إن كان أحد يدّعي معرفة ذلك.. فإما أنه "بريء جدًا" أو "عقله مخرّب."